فصل: الباء مكان من:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى ثم ائتوا والناس مصطفون، فيكون على هذا مصدرًا في موضع الحال، ولذلك لم يجمع.
وقرئ بكسر الهمزة بعدها ياء، ومن ترك الهمزة أبدل منها ألفًا {وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} أي من غلب، يقال: استعلى عليه: إذا غلبه، وهذا كله من قول السحرة بعضهم لبعض.
وقيل: من قول فرعون لهم.
وجملة: {قَالُواْ موسى إَمَا أَن تُلْقِيَ} مستأنفة جوابًا لسؤال مقدّر، كأنه قيل: فماذا فعلوا بعدما قالوا فيما بينهم ما قالوا؟ فقيل: قالوا يا موسى، إما أن تلقي، وإن مع ما في حيزها في محل نصب بفعل مضمر، أي اختر إلقاءك أولًا أو إلقاءنا، ويجوز أن تكون في محل رفع على أنها وما بعدها خبر مبتدأ محذوف، أي الأمر إلقاؤك، أو إلقاؤنا، ومفعول تلقي محذوف، والتقدير: إما أن تلقي ما تلقيه أوّلًا {وَإِمَّا أَن نَّكُونَ} نحن {أَوَّلَ مَنْ ألقى} ما يلقيه، أو أوّل من يفعل الإلقاء.
والمراد: إلقاء العصيّ على الأرض، وكانت السحرة معهم عصيّ، وكان موسى قد ألقى عصاه يوم دخل على فرعون، فلما أراد السحرة معارضته قالوا له هذا القول، فقال لهم موسى {بَلْ أَلْقُواْ} أمرهم بالإلقاء أوّلًا؛ لتكون معجزته أظهر إذا ألقوا هم ما معهم ثم يلقي هو عصاه فتبتلع ذلك، وإظهارًا لعدم المبالاة بسحرهم {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ} في الكلام حذف، والتقدير: فألقوا فإذا حبالهم، والفاء فصيحة، وإذا للمفاجأة أو ظرفية.
والمعنى: فألقوا ففاجأ موسى وقت أن {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ} سعي حبالهم وعصيهم، وقرأ الحسن {عصيهم} بضم العين وهي لغة بني تميم، وقرأ الباقون بكسرها اتباعًا لكسرة الصاد، وقرأ ابن عباس، وابن ذكوان وروح عن يعقوب: {تخيل} بالمثناة؛ لأن العصيّ والحبال مؤنثة، وذلك أنهم لطخوها بالزئبق، فلما أصابها حرّ الشمس ارتعشت واهتزّت، وقرىء: {نخيل} بالنون على أن الله سبحانه هو المخيل لذلك، وقرىء: {يخيل} بالياء التحتية مبنيًا للفاعل، على أن المخيل هو الكيد.
وقيل: المخيل هو أنها تسعى، فأن في موضع رفع، أي يخيل إليه سعيها، ذكر معناه الزجاج.
وقال الفراء: إنها في موضع نصب، أي بأنها ثم حذف الباء.
قال الزجاج: ومن قرأ بالتاء: يعني: الفوقية جعل أنّ في موضع نصب، أي تخيل إليه ذات سعي.
قال: ويجوز أن يكون في موضع رفع بدلًا من الضمير في تخيل، وهو عائد على الحبال والعصيّ، والبدل فيه بدل اشتمال، يقال: خيل إليه: إذا شبه له وأدخل عليه البهمة والشبهة.
{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً موسى} أي أحسّ.
وقيل: وجد.
وقيل: أضمر.
وقيل: خاف، وذلك لما يعرض من الطباع البشرية عند مشاهدة ما يخشى منه.
وقيل: خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي عصاه.
وقيل: إن سبب خوفه هو أن سحرهم كان من جنس ما أراهم في العصا، فخاف أن يلتبس أمره على الناس فلا يؤمنوا، فأذهب الله سبحانه ما حصل معه من الخوف بما بشّره به بقوله: {قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاعلى} أي: المستعلي عليهم بالظفر والغلبة، والجملة تعليل للنهي عن الخوف.
{وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} يعني العصا، وإنما أبهمها تعظيمًا وتفخيمًا، وجزم {تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ} على أنه جواب الأمر، قرئ بتشديد القاف، والأصل تتلقف فحذف إحدى التاءين، وقرىء: {تلقف} بكسر اللام من لقفه إذا ابتلعه بسرعة، وقرىء: {تلقف} بالرفع على تقدير فإنها تتلقف، ومعنى {مَا صَنَعُواْ}: الذي صنعوه من الحبال والعصيّ.
قال الزجاج: القراءة بالجزم جواب الأمر، ويجوز الرفع على معنى الحال، كأنه قال: ألقها متلقفة، وجملة {إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ} تعليل لقوله: {تلقف} وارتفاع كيد على أنه خبر لإن، وهي قراءة الكوفيين إلا عاصمًا.
وقرأ هؤلاء: {ساحر} بكسر السين وسكون الحاء، وإضافة الكيد إلى السحر على الاتساع من غير تقدير، أو بتقدير ذي سحر.
وقرأ الباقون: {كيد ساحر} {وَلاَ يُفْلِحُ الساحر حَيْثُ أتى} أي لا يفلح جنس الساحر حيث أتى وأين توجه، وهذا من تمام التعليل {فَأُلْقِيَ السحرة سُجَّدًا} أي فألقي ذلك الأمر الذي شاهدوه من موسى والعصا السحرة سجدًا لله تعالى، وقد مرّ تحقيق هذا في سورة الأعراف.
{قَالُواْ آمَنَّا بِرَبّ هارون وموسى} إنما قدّم هارون على موسى في حكاية كلامهم؛ رعاية لفواصل الآي وعناية بتوافق رؤوسها.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} قال: يهلككم.
أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة {فَيُسْحِتَكُم} قال: يستأصلكم.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: فيذبحكم.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عليّ: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى} قال: يصرفا وجوه الناس إليهما.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: يقول: أمثلكم، وهم بنو إسرائيل.
وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق في قوله: {تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ} ما يأفكون، عن قتادة قال: ألقاها موسى فتحوّلت حية تأكل حبالهم وما صنعوا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة؛ أن سحرة فرعون كانوا تسعمائة، فقالوا لفرعون: إن يكن هذان ساحرين فإنا نغلبهما فإنه لا أسحر منا، وإن كانا من ربّ العالمين فإنه لا طاقة لنا بربّ العالمين، فلما كان من أمرهم أن خرّوا سجدًا أراهم الله في سجودهم منازلهم التي إليها يصيرون فعندها {قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَاءنَا مِنَ البينات} إلى قوله: {والله خَيْرٌ وأبقى}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

{قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ}.
قوله: {فَلأُقَطِّعَنَّ}: قد تقدَّم نحوُ ذلك. و{مِنْ خِلافٍ} حالٌ أي: مختلفة. و{مِنْ} لابتداءِ الغاية، وقد تقدَّم أيضًا تحريرُ هذا وما قرئ به هناك.
قوله: {فِي جُذُوعِ النخل} يُحتمل أن يكونَ حقيقةً، وفي التفسير: أنه نَقَرَ جذوعَ النخلِ حتى جَوَّفَها، ووضعهم فيها، فماتوا جوعًا وَعَطَشًا، وأن يكونَ مجازًا، وله وجهان، أحدهما: أنه وضعَ حرفًا مكانَ آخر. والأصلُ: على جذُوع النخل كقول الآخر:
بَطَلٌ كأنَّ ثيابَه في سَرْحَةٍ ** يحذى نِعالَ السَّبْتِ ليس بتوءَمِ

والثاني: أنه شَبَّه تمكُّنَهم بتمكُّنِ مَنْ حواه الجِذْعُ واشتمل عليه. ومِنْ تَعَدِّي صَلَب ب في قولُه:
وقد صَلَبُوا العَبْدِيَّ في جِذْعِ نَخْلَةٍ ** فلا عَطَسَتْ شَيْبانُ إلاَّ بأَجْدَعا

قوله: {أَيُّنَآ أَشَدُّ} مبتدأٌ وخبرٌ. وهذه الجملةٌ سادَّةٌ مَسَدَّ المفعولَيْنِ إنْ كانت عَلِمَ على بابها، ومَسَدَّ واحدٍ إنْ كانَتْ عِرْفانيةً. ويجوز على جَعْلِها عِرفانيةً أن تكونَ {أيُّنا} موصولةً بمعنى الذي، وبُنِيَتْ لأنه قد أُضِيفَتْ، وحُذِفَ صدرُ صلتِها، و{أشَدُّ} خبرُ مبتدأ محذوفٍ. والجملةُ من ذلك المبتدأ وهذا الخبرِ صلةٌ ل أيّ وأيّ وما في حَيِّزها في محلِّ نصبٍ مفعولًا بها، كقوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن} [مريم: 69] في أحدِ أوجهِه كما تقدم. اهـ.

.قال ابن قتيبة:

باب دخول حروف الصّفات مكان بعض:

.في مكان على:

قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]، أي على جذوع النخل.
قال الشاعر:
وهم صلبوا العبديّ في جذع نخلة ** فلا عطست شيبان إلّا بأجدعا

وقال عنترة:
بطل كأنّ ثيابه في سرحة ** يحذى نعال السّبت ليس بتوأم

أي على سرحه من طوله.

.الباء مكان عن:

قال اللّه تعالى: {فَسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59]، أي عنه.
قال علقمة بن عبدة:
وقال ابن أحمر:
تسائل بابن أحمر من رآه ** أعارت عينه أم لم تعارا

.عن مكان الباء:

قال اللّه تعالى: {وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى} [النجم: 3]، أي بالهوى.
والعرب تقول: رميت عن القوس، أي رميت بالقوس.

.اللام مكان على:

قال اللّه تعالى: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: 2] أي لا تجهروا عليه بالقول.
والعرب تقول: سقط فلان لفيه، أي على فيه. قال الشاعر:
فخرّ صريعا لليدين وللفم

قال الآخر:
معرّس خمس وقّعت للجناجن

.إلى مكان مع:

قال اللّه تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ} [النساء: 2]، أي مع أموالكم. ومثله:
{مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52]، أي مع اللّه.
والعرب تقول: الذّود إلى الذّود إبل، أي مع الذّود.
قال ابن مفرّغ:
شدخت غرّة السّوابق فيهم ** في وجوه إلى اللّمام الجعاد

أراد مع اللّمام الجعاد.

.اللام مكان إلى:

قال اللّه تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها} [الزلزلة: 5]، أي أوحى إليها.
قال اللّه تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا} [الأعراف: 43]، أي إلى هذا.
يدلك على ذلك قوله في موضع آخر: {وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68] وقوله: {وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: 121].

.على مكان من:

قال اللّه تعالى: {إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2]، أي مع الناس.
وقال صخر الغيّ:
متى ما تنكروها تعرفوها ** على أقطارها علق نفيث

أي من أقطارها.
ومنه قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ} [المائدة: 107]، أي منهم.

.من مكان الباء:

قال اللّه تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] أي بأمر اللّه.
وقال تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ} [غافرة: 15]، أي بأمره.
وقال: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ} [القدر: 4، 5]، أي بكل أمر.

.الباء مكان من:

تقول العرب: شربت بماء كذا وكذا، أي من ماء كذا.
قال اللّه تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)} [المطففين: 28] و{عَيْنًا يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6]. ويكون بمعنى يشربها عباد اللّه ويشرب منها.
قال الهذليّ وذكر السّحائب:
شربن بماء البحر ثم ترفّعت ** متى لجج خضر لهنّ نئيج

أي شربن من ماء البحر.
وقال عنترة:
شربت بماء الدّحرضين فأصبحت ** زوراء تنفر عن حياض الدّيلم

وقال عز وجل: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود: 14]، أي من علم اللّه.

.من مكان في:

قال اللّه تعالى: {أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} [فاطر: 40]، أي في الأرض.

.من مكان على:

قال اللّه تعالى: {وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 77]، أي على القوم.

.عن مكان من:

قال اللّه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ} [الشورى: 25]، أي من عباده.
وتقول: أخذت هذا عنك، أي منك.

.من مكان عن:

تقول: لهيت من فلان، أي عنه. وحدثني فلان من فلان. أي عنه.

.على بمعنى عند:

قال اللّه تعالى: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} [الشعراء: 14]، أي عندي.

.الباء مكان اللام:

قال اللّه تعالى: {ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ} [الدخان: 39] أي للحق.
وجدت في آخر كتاب المشكل تفسير بعض ما فيه من الأحاديث والأمثال فألحقته به.
1- قول النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم: «النّاس كإبل مائة ليس فيها راحلة».
الإبل المائة: هي الرّاعية، وإنما يجتمع منها في المرعى الواحد مائة، فتقام المائة مقام القطيع. يقال: لفلان إبل مائة. وهي أيضا هنيدة. وإذا كان الإبل مائة ليست فيها راحلة تشابهت في المناظر، لأن الراحلة تتميز منها بالتمام وحسن المنظر.
فأراد: أنهم سواء في الأحكام وفي القصاص، ليس لشريف فضل على غيره. وهذا مثل.
قوله عليه السلام: «النّاس سواء كأسنان المشط».
والعرب تقول في هذا المعنى: هم سواء كأسنان الحمار.
2- وقوله: «إنّ ممّا ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ».